• المنتجون يراهنون على تطورات إيجابية في ملف التجارة تدعم انتعاش الطلب النفطي

    10/12/2019

     أسامة سليمان من فيينا

    استهلت أسعار النفط تعاملات الأسبوع –على غير المتوقع– بتسجيل تراجعات سعرية، بسبب بيانات ضعيفة للصادرات الصينية وتجدد المخاوف في السوق من تداعيات حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وتأثيراتها الواسعة في الطلب العالمي على النفط.
    ويكبح تراجع الأسعار قرار تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها الأسبوع الماضي بتعميق تخفيضات الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا إضافية، للحد من وفرة المعروض في الأسواق في العام المقبل، الذي من المتوقع أن يشهد زيادات متلاحقة من عدد من المنتجين، أبرزهم بالطبع منتجو النفط الصخري الأمريكي.
    ويعتقد محللون نفطيون أن موافقة "أوبك+" على خفض الإنتاج بمقدار إضافي قدره 500 ألف برميل يوميا كان له مردود إيجابي وفوري على السوق؛ حيث كانت السوق متعطشة لهذه الخطوة من جانب المنتجين، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط يوم الجمعة الماضي، واقترب خام مزيج برنت القياسي من 65 دولارا.
    وأضاف المحللون، "الحرب التجارية وتداعياتها عادت في بداية تعاملات الأسبوع لتلقي بظلال قوية على السوق مرة أخرى، خاصة مع تزامن ذلك مع بيانات ضعيفة عن التصدير في الصين"، لافتين إلى أن من بين العوامل الإيجابية الداعمة للسوق أن الخفض لن يكون قاصرا على 1.7 مليون برميل يوميا، بعدما أكدت السعودية أنها ستواصل تخفيضاتها الطوعية بما يتجاوز المطلوب وبنحو 400 ألف برميل يوميا.
    في هذا الإطار، أوضح لـ "الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن اختيار تحالف المنتجين فترة ثلاثة أشهر فقط لإجراء تخفيضات إنتاجية عميقة يعكس قناعة المنتجين بأن حالة وفرة المعروض لن تكون طويلة، وستكون قاصرة على الربع الأول الذي يشهد عادة ضعف الطلب الموسمي جراء صيانة المصافي الأمريكية.
    وأضاف شتيهرير "المنتجون يراهنون على أن الأشهر الثلاثة المقبلة قد تشهد تطورات إيجابية في حرب التجارة ما سيكون له أثر داعم في النمو الاقتصادي، وإنعاش الطلب النفطي"، مشيرا إلى أن مخاوف الحرب التجارية عادت لتلقي بظلال قوية على السوق مع بداية الأسبوع خاصة في ظل قراءة من المحللين الدوليين لواقع ضعف النشاطين التصنيعي والتصديري في الصين، وهي ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم.
    من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة "تكنيك وجروب" الدولية، "إن المنتجين في "أوبك" وخارجها يأملون في السيطرة على وفرة المعروض في الربع الأول من خلال القرارات الأخيرة، التى تضيف 500 ألف برميل إلى الخفض السابق، لكن بعض التقديرات الدولية الأخرى مثل بيانات "كومرتس بنك" الألماني تحذر من أن وفرة المعروض الزائدة في الربع الأول قد تتجاوز 500 ألف برميل يوميا، ما يضيف الأعباء إلى نجاح خطة "أوبك+".
    ونوه تسبرات بأن الجميع يترقب تطورات السوق خاصة في ظل هيمنة حالة عدم اليقين بقوة على وضع الاقتصاد العالمي، لافتا إلى أنه لا يزال من غير الواضح كيف يمكن احتواء الزيادة المفرطة في المعروض التي ستتضح في الربع الثاني إذا لم تتم عملية تمديد تخفيضات الإنتاج، مشيرا إلى قناعة البنك بأن مخاطر سلبية لا تزال تحيط بمستوى أسعار النفط في المديين القصير والمتوسط.
    من ناحيته، ذكر لـ"الاقتصادية"، لوكاس برتيرير المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية للنفط والغاز، أن "أوبك" وحلفاءها يركزون في تلك المرحلة على رفع مستوى الامتثال لتخفيضات الإنتاج باعتباره كلمة السر في نجاح خطة التعاون بين المنتجين ومن أجل السيطرة الفاعلة والسريعة على وفرة المعروض في الأسواق، مشيرا إلى تأكيد بنك جولدمان ساكس أن اختيار مدة قصيرة للتخفيضات يضع المنتجين على المحك ويسلط الضوء على كيفية التعاون لاحتواء الأزمة ومدى تجاوب وشفافية الأداء في كل دول الإنتاج.
    ونوه برتيرير بأن "أوبك+" تواجه تحديا كبيرا في موازنة السوق والسيطرة على تخمة الإمدادات، معتبرا هذا الأمر لا يعتمد على أدائها وحدها، لكنه يعتمد أيضا إلى حد كبير على إذا ما كان بإمكان النفط الصخري الأمريكي الاستمرار في النمو أم سيتباطأ وينكمش بمستويات مؤثرة، لافتا إلى تقديرات جهات بحثية دولية مثل "ريستاد إنرجي" التى ترى أن نمو النفط الصخري الزيتي مستمر حتى إذا ظل الخام الأمريكي يدور حول مستوى سعري في منتصف خمسينات الدولارات. 
    بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الغرفة الفيدرالية النمساوية، "إن قرارات "أوبك" الأخيرة تحتاج إلى دقة وتوازن شديد في التنفيذ، لأن الإفراط في الخفض أو الزيادة ليس في مصلحة السوق"، مشيرة إلى أن الخفض الجديد لو رفع الأسعار بمستوى كبير فسيعود منتجو النفط الصخري الأمريكي للإسراع في وتيرة الحفر، ما يزيد المعروض مرة أخرى ويضغط على "أوبك+" لإجراء تخفيضات أعمق مما يهدر حصصها السوقية. 
    وتعتقد نايلا أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيدا من الامتثال خاصة من قبل المنتجين الكبار مثل روسيا والعراق لحث بقية المنتجين على تحقيق المستوى نفسه من الامتثال، منوهة بأن "أوبك" كانت متعاونة على نحو واسع مع روسيا واستجابت لطلبها بعدم احتساب المكثفات النفطية في حجم الإنتاج من النفط على الرغم من الزيادة الواسعة في إنتاجها من المكثفات الغازية من حقول شرق سيبيريا.
    وفيما يخص تداولات الأسواق، انخفضت أسعار النفط أمس بعد بيانات أظهرت أن صادرات الصين تراجعت للشهر الرابع على التوالي، مثيرة حالة من القلق في سوق متخوفة بالفعل من الضرر الذي تلحقه حرب التجارة بين واشنطن وبكين بالطلب العالمي.
    بحسب "رويترز"، نزل برنت 64 سنتا بما يعادل 0.99 في المائة إلى 63.75 دولار للبرميل، بعد مكاسب بلغت نحو 3 في المائة الأسبوع الماضي بفضل أنباء زيادة تخفيضات الإنتاج من جانب "أوبك" وحلفائها.
    وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 64 سنتا أيضا أو 1.08 في المائة إلى 58.56 دولار للبرميل بعد أن زادت 7 في المائة الأسبوع الماضي بفضل توقعات خفض إنتاج تحالف المنتجين في "أوبك+".
    جاء انخفاض أمس المفاجئ بعد بيانات الجمارك الصينية التي أظهرت هبوط صادرات ثاني أكبر اقتصاد في العالم 1.1 في المائة خلال الشهر الماضي، مقارنة بتوقعات لنمو يبلغ 1 في المائة.
    وقال جيفري هالي محلل الأسواق لدى "أواندا"، "من الواضح أن الصين ليست محصنة ضد الرسوم الجمركية الأمريكية، ولا ضد التباطؤ المستمر في الاقتصاد العالمي عموما". في المقابل، ارتفعت واردات الصين من النفط إلى مستوى قياسي على أساس يومي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مع ارتفاع معدلات تشغيل المصافي لاستهلاك حصص التوريد السنوية.
    واستوردت الصين، وهي أكبر مشتر للنفط في العالم 45.74 مليون طن من النفط، أي ما يعادل 11.13 مليون برميل يوميا، وفقا لبيانات صادرة عن الإدارة العامة للجمارك في الصين.
    يأتي هذا مقارنة بـ10.72 مليون برميل يوميا في تشرين الأول (أكتوبر) و9.61 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي.
    وأظهرت البيانات أن إجمالي واردات الصين في الشهور الـ11 الأولى من 2019 بلغ 461.88 مليون طن، أو 10.09 مليون برميل يوميا، بارتفاع 10.4 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية